رغم ثراء المغرب الطبيعي والثقافي وتنوع وجهاته، يواصل جزء كبير من المغاربة تفضيل قضاء عطلتهم في الخارج، في مفارقة تثير تساؤلات حول حقيقة ما يقدمه السوق المحلي مقارنة بالبدائل الإقليمية والدولية.
أرقام مرصد السياحة لسنة 2023 تكشف أن المقيمين المغاربة لم يسهموا سوى بـ8 ملايين ليلة مبيت من أصل 25.64 مليون في مؤسسات الإيواء المصنفة، أي نحو ثلث النشاط فقط.
وفي الوقت الذي سجلت فيه مداخيل السفر من السياح الأجانب مستوى قياسيًا بلغ 105.4 مليارات درهم في 2024، ظل الطلب الداخلي بعيدًا عن الطموحات، ما يعكس فجوة واضحة بين نجاح الترويج الخارجي وضعف القدرة على تحويل المواطن إلى زبون دائم للسياحة المحلية.
أحد أبرز العوائق يتمثل في فجوة السعر/الجودة. تحليلات سوقية أكدت أن المغرب أقل تنافسية مقارنة بوجهات قريبة مثل إسبانيا والبرتغال وتركيا، سواء على مستوى متوسط الأسعار أو الباقات العائلية، في وقت ترتفع فيه كلفة الإقامة والوجبات والخدمات داخل البلاد دون أن تقابلها جودة ثابتة أو قيمة مضافة مقنعة.
مثال عطلة عائلية في الداخلة – بتذاكر طيران وفندق على البحر لمدة أسبوع – أظهر تكلفة تتجاوز بكثير ما يمكن أن تدفعه الأسرة نفسها في وجهات متوسطية توفر خدمات «كل شيء مشمول». ورغم أن التضخم العام تراجع إلى 0.9% في 2024، فإن أسعار «المطاعم والفنادق» ارتفعت بنسبة 3.4%، مما يضغط أكثر على ميزانية العطلة المحلية.
إلى جانب ذلك، يعاني العرض السياحي من تركّز شديد في محور مراكش–أكادير وموسمية حادة، وهو ما يضعف المنافسة المكانية ويغذي الارتفاعات المبالغ فيها في مواسم الذروة.
وعلى النقيض، تعمل وجهات خارجية على تنويع جغرافي لباقاتها وتسويقها بأسعار شفافة. كما يلعب العامل الجوي دورًا حاسمًا في تغليب الكفة لصالح الخارج، حيث توسعت شركات الطيران منخفضة التكلفة في المغرب، وأعلنت عن ملايين المقاعد الإضافية وخطوط أوروبية جديدة، ما جعل الوصول إلى مدن متوسطية أو تركية أيسر وأرخص من السفر إلى وجهات مغربية بعيدة.
الحملات الترويجية، مثل النسخة الجديدة من «نتلاقاو فبلادنا» التي أطلقها المكتب الوطني المغربي للسياحة في 2025، تعكس إدراكًا رسميًا للحاجة إلى إحياء الطلب الداخلي عبر المحتوى القصصي والانتشار المتعدد المنصات. لكن هذه الجهود، مهما كانت مبتكرة، تظل عاجزة عن معالجة عمق الأزمة إذا لم تترافق مع إصلاحات في معادلة السعر والقيمة، تشمل شفافية التسعير، تناسق الجودة، وتطوير عروض منافسة للباقات الخارجية.
جوهر الإشكال أن المواطن المغربي يقارن بدقة بين ما يدفعه هنا وهناك. وعندما يجد في مالقة أو أنطاليا أو لشبونة عرضًا أوضح وأرخص وأعلى جودة، فإن اختياره يصبح مسألة منطق اقتصادي لا ولاء عاطفي. إعادة المغاربة إلى وجهاتهم المحلية تمر عبر عقد جديد بين القطاع والزبون، يضمن إنصافًا سعريًا، جودة متسقة عبر الجهات، وخيارات نقل وإقامة تحترم ذكاء المستهلك. حينها فقط قد يتحول شعار «نتلاقاو فبلادنا» من عبارة دعائية إلى حقيقة اقتصادية قابلة للتحقق.