سنوات طويلة وأنا أتساءل بيني وبين نفسي عن الأسباب الحقيقية التي تجعل أشخاصا أو هيئات أو حركات تحظى بتقدير شعبي قد يصل إلى درجة التقديس. وأن أي منتقد لمواقفها أو توجهاتها يجعله في دائرة الاتهام والشيطنة والتخوين. وفي أفضل الحالات يكون محط تشكيك لا يهدأ ولا يتوقف. وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ شخص أردوغان -الظاهرة الأردوغانية- وحركة حماس والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
رغم أن رقم المعاملات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل تفوق رقم معاملات أغلب الدول العربية. ومن بينها الإمارات والبحرين؛ ورغم أن السيد أردوغان زار إسرائيل أكثر من مرة. ووضع إكليل الزهور على قبر مؤسس الصهيونية “ترحما” على روحه الطاهرة. ورغم أن تركيا تشارك كل عام في مناورات عسكرية مع إسرائيل لتبادل الخبرات من أجل إرساء مبادئ “السلم” في الشرق الأوسط. ورغم أن التعاون الأمني والاستخباراتي التركي-الإسرائيلي لم يتوقف في يوم من الأيام من أجل ترويض “الإرهاب” الذي يهدد المنطقة. رغم كل هذا، فإن فئات عريضة ممن يقاومون “التطبيع” ويُخَوِّنون من يقوم به وقد يكفرونه أحيانا. إلا أنها تضع شخص أردوغان في مكان منيع لا تطاله سهام النقد فبالأحرى أن تبلغه قذائف الاتهام والتجريح.
الحقيقة أن موقف كثير من الناس اتجاه أردوغان لا يتعلق بما يفعله أو ما لا يفعله. ما دام هذا الشخص قد تحول بفضل الآلة الإعلامية الرهيبة، وكفاءتها التقنية العالية، وضغطها المتواصل إلى ماركة عالمية عند هؤلاء الناس. تماما مثل “نايك” أو “سامسونج” أو “ماكدونالد”، حيث يقتني المرء هذه البضائع بدون وعي وبلا تردد. رغم غلاء أثمانها ودون البحث في أسباب هذا الغلاء ما عدا معرفته بأنها ماركة عالمية تستحق ما تقترحه من أثمان.
في نفس السياق أقام عالما نفس ألمانيان في 24 أبريل 2013 تجربة طالت خمسة عشر متطوعا. حيث يتم مراقبة الأنشطة التي تتم على مستوى أدمغتهم وهم يتذوقون موادا معينة. وذلك من أجل ربط التأثير الحاصل للماركات العالمية على العقل البشري.
يقوم فحوى التجربة، على إيهام المرشحين بأنهم بصدد تذوق أربعة أنواع مختلفة من المشروبات. منها اثنتان من ماركة عالمية: وهما “كوكا كولا” و”بيبسي كولا”. واثنتان من ماركة غير معروفة كثيرا وهما: “ريفر كولا”، و”تِ-كولا”. والحقيقة أنهم لا يتذوقون سوى مشروب واحد صُنِّع بعناية فائقة من خليط المشروبات الأربعة.
لقد أوضحت التجربة بأن المخ يكون في أقصى مستوى من نشاطه حينما يكون المرشح بصدد تذوق ما يظنه مشروبا عالميا. فيبدي نشاطا أكبر وهو يتذوق “كوكا كولا” أو “بيبسي كولا”. بينما يخف هذا النشاط في الدماغ بشكل ملموس وهو يتذوق ما يظنه: “ريفر كولا” و”ت-كولا”.
من هنا يتبين أننا لسنا بصدد التعامل مع شخص أردوغان. وإنما مع الظاهرة الأردوغانية العالمية التي تجعل مواقف بعض الأشخاص أو الهيئات. مهما كانت سيئة ووضيعة وبعيدة عن مبادئ الشرع الحنيف تنتج في أدمغة الكثيرين نفس نوع النشاط ونفس قدر المتعة الذي تنتجه مواقف البطولة والصمود. هكذا يمكن لأردوغان الذي تلاعب بالدين حتى صار بمرتبة الماركات العالمية أن يفعل ما يشاء. دون أن يخشى من أن ينقلب عليه أتباعه وإذا شئت قلت خرفانه. وهكذا يمكنه أيضا أن يصرح بملء فيه بأنه يأمل في إقامة علاقات أفضل مع تل أبيب في الوقت الذي يُحَرمها على غيره. كما يمكن لزوجته المصون أن تظهر في الإعلام وبيدها حقيبة من نوع الماركات العالمية النادرة. والتي لا يقل ثمنها عن أربعين ألف دولار، دون أن يؤنبها ضمير أو يحتج عليها أحد.
من المفيد أن أنبه في الختام إلى أن أثر الظاهرة الأردوغانية العالمية في نفوس البسطاء هي التي تجعل قياديي حزب العدالة والتنمية المغربي يتوقعون فوز حزبهم بولاية ثالثة ورابعة وسابعة رغم كل الفظائع والفضائح والمآسي والتراجعات والجرائم التي قاموا بها في حق هذا الشعب الأعزل؛ لأن هذه الظاهرة العجيبة لا مكان فيها للعقل أو الفكر أو المنطق؛ ولأن حزب العدالة بدوره تحول إلى ماركة عالمية تماما مثل”IBM” و”كوكا كولا”.