تدل كل المؤشرات على أن المغرب يمر بمرحلة انتقالية غاية في الأهمية, و في سباق محموم نحو توفير شروط التنمية البشرية و الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية, الَضامنة للاستقرار و الاستمرارية في مواجهة تحديات العولمة في ظل اختلالات عميقة خلفتها عقود من الزمن للحكم المخزني المعروفة بسنوات الجمر إبان الحرب الباردة.
و مما لا شك فيه, أن هذه الوضعية و ما تحمله من تطورات و صراعات مصالح, و ما تفرزه من ظواهر اجتماعية و سياسية, و اختلالات في موازين القوى…, لا يمكن عزلها عن سياقات النظام العالمي الجديد الذي تقوده الرأسمالية المتوحشة و الساعية إلى إعادة تقسيم الثروات و التحكم فيها بشتا الوسائل:” القانونيةباستعمال مجلس الامن الدولي أو محكمة العدل الدولية أو الأمم المتحدة، المالية: باستعمال البنك العالمي و صندوق النقد الدولي ـ العسكرية: باستعمال الاحلاف العسكرية و شرعنة التدخل العسكري، و ذلك من أجل ضمان استمرارية أنظمتها الليبرالية في بلدانها و ضمان استقرارها و توفير شروط العيش الكريم لمواطنيها، مقابل الحفاظ على سوق الدول الفقيرة المسماة “السائرة في طريق النمو لترويج منتجاتها و تسويق أفكارها و سياساتها الرأسمالية المتوحشة.
إن الرأسمال المتوحش الذي استعمل كل الوسائل التكنولوجية و الاقتصادية و المالية و العسكرية و الديماغوجية، من أجل وضع حد للحرب الباردة و ارساء دعائم النظام العالمي الجديد ذي القطب الواحد تحت شعارات الحرية و المنافسة و الانفتاح و حقوق الانسان و حقوق الأقليات… إلخ، ما فتئ اليوم يستغل مخلفات التخلف و الديكتاتوريات الموروثة عن عهد الحرب الباردة، ليشرعن استراتيجيته في تقسيم الشعوب و خلق أتباع جدد، لتسهيل عملية السطو على خيرات البلدان الباحثة عن التنمية و الديمقراطية و العيش الكريم، مستعملا من أجل بلوغ أهدافه خلق التنظيماتالارهابية المتطرفة، فمن تنظيم الطالبان بأفغانستان، إلى الدولة الإسلامية بالعراق و الشام (داعش)، مرورا بابن لادن و تنظيم القاعدة.. وصولا إلى الربيع العربي بالشرق الأوسط و شمال افريقيا، متسببا بهذه الاستراتيجية في توسيع دائرة الارهاب و التطرف التي تعاني منها شعوب جنوب شرق آسيا و الشرق الأوسط و افريقيا جنوب الصحراء و شمال افريقيا، لتصل شظاياها إلى أوربا و أمريكا.
إننا نعيش اليوم على إيقاعات الهجوم الشرس للرأسمال العالمي المتوحش المتعدد الأوجه (مالي ـ اقتصادي ـ اجتماعي حقوقي ـ سياسي) مستعملا مختلف الآليات و الوسائل الإعلامية و المخابراتية لتدجين و احتواء و نخر التنظيمات السياسية و الجمعوية و النقابية من أجل الإطاحة بنظام معين أو إضعافه و تعميق شروط التبعية و الانبطاح.. و ما تصريحات الرئيس الامريكي و خلاصات اجتماع مجموعة الدول السبع الأكثر غنى في العالم إلا دليل على عمق استراتيجيات الرأسمالية العالمية المتوحشة، السائرة في تعميق الهوة بين فقراء العالم و أغنيائه.
إن استحضار هذا الوضع على المستوى الدولي و ربطه بما يجري بمنطقة الريف على الخصوص و ما تحمله الأحداث من تطورات و قراء ات متضاربة بسبب التداخل بين السياسي و الاجتماعي و الاقليمي و العرقي و محاولات تدويل حراك الريف، كل هذا يفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات، خاصة و أن قيادة هذا الحراك غير معروفة تنظيميا و غير واضحة أهدافها و مراميها: هل هي اجتماعية محضة، أم سياسية أم انفصالية على شاكلة حراك سوريا و اليمن و ليبيا..، أم حركة عرقية خاصة بأمازيغ الريف أو إقليمية خاصة بإقليم الحسيمة…إلخ. إن صعوبة تحديد تموقع حراك الريف ضمن حراك وطني جماهيري ديمقراطي واضح المعالم و التوجهات و الأهداف، من شأنه أن يفقد البوصلة لعموم الجماهير الشعبية المتتبعة للأحداث و المتعاطفة من موقعها المعيشي مع مجرياته، مما يستوجب نهضة حقيقية و مستعجلة للمفكرين و السياسيين و الإعلاميين لحماية الحراك من كل الانزلاقات، و تسليح التنظيمات السياسية و النقابية و الجمعوية المحلية و الجهوية بآليات التحليل العلمي السوسيو اقتصادي، و بآليات التنظيم القاعدي المرتبط بقضايا الوطن و المواطنين، لاسترجاع المبادرة و المساهمة بكل الجدية و المسؤولية في الدفع بحركة التغيير الجماهيرية نحو الأمام.
إن على الحكومة المغربية و أصحاب القرار السياسي بالبلاد أن يعتبروا معاناة ساكنة الريف و شبابها جزء ا من معاناة المواطنين الفقراء و الشباب العاطل و المظلومين بعموم الوطن العزيز، و أن يخططو لسياسات اقتصادية و اجتماعية عادلة، تزيح الفوارق الاجتماعية و تقضي على الفقر و الأمية و الجهل و الاقصاء، و جعل التربية و التعليم ركيزة أساسية في التنمية البشرية و التنمية الديمقراطية و الاقتصادية للبلاد و ضمانة حقيقية في مواجهة تحديات العولمة، و مؤامرات الرأسمال العالمي المتوحش.
الحدث بريس
عبد العزيز منتصر.
الكاتب العام الوطني
للنقابة الوطنية للتعليم (CGT)