لم يعد الأمر مجرد احتمال. فبعد أن تصدر المشهد السياسي الأمريكي من جديد، وبدأ فعليًا في القرارات المؤثرة في البيت الأبيض، يتضح أن النسخة الثانية من دونالد ترامب تبدو أكثر حدة، وأكثر تأثيرًا على النظام العالمي. العالم يتهيأ، الأسواق تتحرك، والدبلوماسيات تعيد ترتيب أوراقها… والمغرب ليس استثناءً.
منذ الأسابيع الأولى لحملته النشطة، لم يُخفِ ترامب نيّته في فرض رسوم جمركية واسعة، وإعادة النظر في كل ما لا يخدم “أمريكا أولاً”. اليوم، وقد بدأت بعض هذه الإجراءات تُختبر فعليًا داخل الكونغرس وبين الشركات الأمريكية، بدأت الدول الحليفة تتساءل: ما الذي سيبقى من اتفاقاتنا مع واشنطن؟ في حالة المغرب، اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة، الذي ظل لعقود إحدى ركائز الشراكة الاقتصادية، مهدد بمراجعة جذرية. فالتوجه الأمريكي الجديد قد يعتبره “غير متوازن”، وهو ما يفرض على الرباط الاستعداد لمعادلة تجارية جديدة، أكثر قساوة.
ترامب لا يتعامل مع السياسة الخارجية كاستمرار لمؤسسات، بل كصفقات. هذا المنطق يضع المغرب أمام احتمال إعادة تقييم المواقف الأمريكية تجاه قضاياه الحيوية، وعلى رأسها ملف الصحراء. هل سيتعامل ترامب مع الاعتراف الأمريكي كمجرد ورقة تفاوضية؟ سؤال مقلق، خاصة مع تصاعد التوترات في منطقة الساحل، واستمرار احتدام الصراع في الشرق الأوسط. المغرب، الحليف الاستراتيجي في المنطقة، قد يُطلب منه “المزيد” مقابل الحفاظ على نفس مستوى الدعم على غرار الزيادة في الرسوم الجمركية بنسبة 10 في المئة.
في ظل عودة ترامب، بدت معالم النظام العالمي كما عرفناه تتفكك أكثر. الانسحاب الأمريكي من بعض التحالفات، وخفض الدعم للمؤسسات الدولية، كلها مؤشرات على تحوّل جذري. بالنسبة للمغرب، هذا الاضطراب يحمل تحديًا وفرصة في آنٍ واحد: التحدي يكمن في احتمال فقدان شريك دولي قوي في مواقف استراتيجية، أما الفرصة فتتمثل في تعزيز التنويع في العلاقات، وتثبيت الحضور في إفريقيا وآسيا.
التحولات العالمية لا تنتظر، والمغرب مطالب اليوم بأكثر من مجرد المتابعة. فعودة ترامب، ببرنامجه الصدامي، تعني بالضرورة نهاية مرحلة وبداية أخرى، أكثر غموضًا. وحدها الدول ذات الرؤية الاستباقية والدبلوماسية المتوازنة ستتمكن من تحويل التحدي إلى ورقة قوة.