في تطور لافت على صعيد معالجة ملف الصحراء المغربية، بدأ يظهر مقترح جديد في أوساط السياسة الأمريكية، يتناول احتمال إنهاء مهمة بعثة “المينورسو” التابعة للأمم المتحدة، وهي البعثة المكلفة بتنظيم استفتاء لتقرير مصير المنطقة منذ عام 1991.
هذا المقترح، الذي تم طرحه من قبل معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسات العامة، يعتبر خطوة قد تشكل تحولًا استراتيجيًا في الموقف الأمريكي من القضية، ويعكس تزايد الدعم الدولي لمغربية الصحراء بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على المنطقة في أواخر 2020.
المعهد الأمريكي، الذي يعتبر من أبرز مؤسسات التفكير المرتبطة بالحزب الجمهوري، يقترح في مقال كتبه مايكل روبين، مدير تحليل السياسات بالمؤسسة، أن إنهاء بعثة “المينورسو” يمثل خيارًا منطقيًا في ضوء 34 عامًا من فشل البعثة في تحقيق أهدافها الأساسية. ورغم مرور عقود على وجود البعثة في المنطقة، فإنها لم تتمكن من تنظيم الاستفتاء الموعود، بل إن محاولاتها لإحصاء السكان لم تحقق نتائج ملموسة.
وفي هذا السياق، يضيف روبين أن الولايات المتحدة، التي أصبحت حاليًا تعترف بشكل رسمي بمغربية الصحراء، لا ينبغي لها أن تواصل تمويل بعثة دولية تؤجل الحلول وتساهم في استمرار الوضع القائم.
منذ تأسيس “المينورسو”، لم تسجل البعثة أي تقدم ملموس في إيجاد حل سياسي مستدام للنزاع. على الرغم من أن بعثة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار كانت تشرف على مراقبة عملية وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، إلا أن الواقع على الأرض قد تغير بشكل جذري منذ أن تراجعت جبهة البوليساريو عن التزاماتها في نونبر 2020، مما جعل الجيش المغربي يتولى بشكل فعلي مهمة الحفاظ على الأمن في المنطقة العازلة.
في هذا السياق، يبرز التساؤل عن جدوى استمرار وجود “المينورسو” إذا كانت مهمتها قد تحولت إلى مجرد إجراء شكلي لا يساهم في حل النزاع.
تعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر الممولين لبعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، ومنها “المينورسو”، حيث تساهم بنحو 27.89% من إجمالي التمويل. ومع أن واشنطن لا تلعب دورًا مباشرًا في عمليات البعثة نفسها، فإن تأثيرها المالي يمكن أن يكون حاسمًا في تحديد مصير هذه المهمة. إذا قررت إدارة ترامب تقليص أو سحب تمويلها للبعثة، فإن هذا قد يؤدي إلى زعزعة استقرارها، وقد يُعتبر بمثابة خطوة عملية نحو إخراج قضية الصحراء من تحت مظلة الأمم المتحدة، وبالخصوص من “اللجنة الرابعة” التي تشرف على تصفية الاستعمار.
يبدو أن الموقف الدولي بدأ يتوجه بشكل متزايد نحو الاعتراف بمغربية الصحراء، وهو ما يعزز الطرح المغربي القائل بضرورة التوصل إلى حل سياسي عادل وقابل للتطبيق ضمن إطار مقترح الحكم الذاتي. هذا المقترح، الذي قدمه المغرب في 2007، لقي دعمًا متزايدًا من العديد من الدول الكبرى، بما في ذلك فرنسا وإسبانيا وألمانيا، فضلاً عن دول أخرى في الاتحاد الأوروبي. في هذا السياق، بدأت الأمم المتحدة تميل أكثر إلى تبني لغة الحلول الواقعية التي تتماشى مع الطرح المغربي.
مع أن بعض الأطراف ما زالت تصر على دعم موقف جبهة البوليساريو، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى أن موقف العديد من دول العالم قد تغير بشكل كبير. كما أن تجارب الأمم المتحدة السابقة في معالجة هذا النزاع أثبتت أن الحلول الفعالة تتطلب تحولات جوهرية في الأبعاد السياسية والديبلوماسية، وهو ما تدعو إليه المملكة المغربية بشكل مستمر. استمرار التمويل الأمريكي للبعثة الأممية قد يُنظر إليه كإدامة للوضع القائم، وهو ما يسعى المغرب، بدعمه المطلق لمقترح الحكم الذاتي، إلى تغييره.
إن مقترح معهد المشروع الأمريكي بإلغاء بعثة “المينورسو” يمثل خطوة مهمة في إطار إعادة تقييم جدوى هذه البعثة، في وقت يشهد فيه الموقف الدولي تحولات متسارعة نحو دعم مغربية الصحراء. إن إلغاء أو تقليص التمويل الأمريكي للبعثة سيكون بمثابة تأكيد آخر على أن مغربية الصحراء أصبحت أمرًا واقعًا، وأن الحل النهائي يكمن في تعزيز سيادة المغرب على هذه المنطقة في إطار مقترح الحكم الذاتي، الذي لقي دعمًا من العديد من الدول الفاعلة في الساحة الدولية.