الذكاء العاطفي او الوجداني او الانفعالي و هناك من كان يسميه بالذكاء الاجتماعي ،مصطلح حديث العهد خاصة في الدول الافريقية و دول المشرق العربي ،فقد أتى إلينا من جهود أبحاث علماء غربيين ليتطور بعد ذلك و يصبح موضوع دراسات عدة ،فقد عرف كل من (Mayer وSalovey,1997) الذكاء العاطفي على انه القدرة على تقييم المشاعر و الأحاسيس و الانفعالات و القدرة على معالجة المعلومات واستعمالها من اجل استثمارها على نحو أفضل ،وبهذا يكون ميزة و خاصية فطرية الى حد بعيد ،غير ان التعريف الذي جاء به كل من عالمي النفس Bar-On و Golman يركز على هذا النوع من الذكاء كقدرة و مهارة يمكن للإنسان ان يتعلمها و يطورها اذ انها تمكنه من التأقلم مع الأحداث المفاجئة في الحياة خاصة منها تلك التي تحمل طابعا مؤلمًا ،والتي من شانها ان تتسبب في ظهور أعراض من القلق و الضغط النفسي ،كما يتضمن الذكاء العاطفي في هذا السياق ،مقدرة الفرد على خلق تفاعلات اجتماعية صحية مع باقي الأشخاص ،و النجاح في العلاقات الانسانية على نحو مقبول يمكن الانسان من الاندماج في مختلف الأوساط و خاصة تلك التي يقابل فيها نفس الأشخاص لمرات عديدة مثل أماكن العمل.
غير ان هذه المهارات القيادية ان صح التعبير ،تستدعي رصيدا من الكفاءة في مجال التحكم في الانفعالات التي قد تكون مؤذية لصحة الفرد العضوية و النفسية بل و مؤذية ايضا للمحيط ،هنا قد نجد تدفق نسبة كبيرة من الكورتيزون اثناء الغضب على سبيل المثال اضافة الى الأدرينالين ،ناهيك عن الألم على مستوى المعدة و الأمعاء ووجع الرأس و الارتفاع الغير العادي لدقات القلب و ارتفاع الضغط الدموي و الأرق …و ما الى ذلك من الأعراض التي يمكن تصنيفها فيما هو نفسي جسدي (psychosomatiques ).
لا يمكن ان نغفل ايضا دور الثقة بالنفس وتقدير الذات و التحلي بالامل و التفاؤل بالمستقبل وهذا يتطلب ايضا رصيدا من التنشئة الاجتماعية السليمة والتربية النفسية السوية ،و التي تقوم على مبدأ الحوار و الرفق و العناية و الاهتمام خلال مرحلة الوالدين و الأصدقاء و المقربين خاصة في فترة الطفولة و المراهقة ،حتى ان تطور الدماغ و تكوينه،له علاقة متينة بمدى الرعاية و حسن القول و الفعل الذي يعد المرء مستقبلا له ،هذا و قد اجرى فريق من الباحثين المغاربة ،عن جامعة فاس على رأسهم الاستاذ اسماعيل العلوي ،الاستاذة كريمة الغوداني و الاستاذ بنعيسى زغبوش بمعيّة فريق علمي من اساتذة عن جامعة Jaen باسبانيا ،خلال الفترة الممتدة بين 2016 و 2018,و من بينهم :Manuel Miguel Ramos Alvarez ,Esther Lopez Zafra,Octavio Luque Reca,أجروا دراسة تم إصدار نتائجها في يوليوز 2019,بينوا فيها الدور الذي يلعبه الذكاء العاطفي الانفعالي مقرونا بالدعم الاجتماعي من اجل الحفاظ على جودة الحياة في نسبة تجعل المرء يحس بالاكتفاء و التناغم ،خاصة في صفوف المراهقين الذين يعيشون أزمة ثانية بعد أزمة و صدمة الولادة ،أزمة تعتبر مفترقا مهما و حاسما احيانا و طفرة نوعية على جميع الاصعدة .
لا يوجد ذكاء واحد ،بل ذكاءات متعددة ، و لا يمكن فصل المشاعر و الأحاسيس عن الدماغ ،حتى ان Beck(1979) قال :ان العاطفة هي الطريق الملكي نحو العقل ..و بهذا يكون الذكاء العاطفي الان قابلا للتعلم وايضاً قابلا للقياس ،عن طريق عدة اختبارات تم وضعها ،و ترجمتها الى عدة لغات ،بل ايضا ملاءمتها مع ثقافة كل بلد و سياقه الاجتماعي وتفكيره الجمعي ،تماما مثل ما أمكننا قياس معامل الذكاء (QI),فهل تساءلت يوما عن مدى ذكائك العاطفي ؟
لعل وباء كورونا المستجد الغريب الأطوار اكبر مناسبة لاختبار ذكائنا العاطفي (الذكاء الموازي ) و معرفة مدى قدرتنا على التعايش مع الأحداث المفاجئة والغير المرغوب فيها والتي لا نعرف متى سوف تنتهي …كان بإمكاننا ان نلمس عبر ما تأتي به وسائل الاعلام ،و ما نقراه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بل ما نراه احيانا ،تلك الحقيقة الصعبة التي عاشها و مازال يعيشها بعض المواطنين بين جدران البيوت ،تحت وطأة القلق و الوحدة و الخوف من الفقدان و المرض ،اضافة الى المشاكل الاسرية و الصعوبات الاقتصادية الاجتماعية ..لقد أكد Goleman(1997)ان الانفعالات جزء لا يتجزا من حياتنا وان تسييرها و التحكم فيها لما هو فيه خير لصحتنا الجسدية و النفسية لا يعني أبدا إلغاءها و طمسها من وجودنا الإنساني ،فما هي اذن بعض من المفاتيح الكبرى للاهتمام بصحتنا النفسية خلال زمن الأوبئة (وباء كورونا المستجد نموذجا ):
-لنتقبل انفعالاتنا و لنتحكم في مزاجنا و لا ندع مزاجنا يجرنا الى التعاسة :فالجلوس في المنزل و الخروج للعمل كلاهما قد يجعلنا عرضة للشكوك و التفكير في احتمالية الإصابة بالوباء و الترقب المفرط لوقوع الأحداث ،وبالتالي فالتقبل منفذ لفهم ذواتنا و فهم الآخرين عن طريق التصالح مع حقيقتنا الداخلية بكل موضوعية .
-لنحاول دائماً ان نكون بجانب الإيجابيين دون ان ننسى ان ندعم من يحتاج لدعمنا مع الحفاظ على مناعتنا النفسية من اقتحام الأفكار السلبية :فعلا ،قد نتفاجأ ان خلال فترة الوباء هناك من يتعايش معه بمنتهى الاريحية و المرونة ،و بالتالي فالتواصل مع المقربين الأعزاء عامل جيد من اجل تقوية قدرة التحمل الصحي و المواصلة .
-لنحافظ على نمط حياة عادي مائل الى الاستقرار :نستطيع تصريف مشاعر القلق المستمر و اجترار الأفكار التي قد تعطينا ميولا حزينة عن طريق ممارسة عدة أنشطة و هوايات نحبها،هذا فضلا عن المناجاة الروحية التي اثبت دورها في الحفاظ على التوازن النفسي بل ان الحاجيات الروحية تتربع على عرش الحاجيات الانسانية الضرورية و تقومها حسب هرم الحاجيات ل Abraham Maslow .
-لنتشبث بأحلامنا و مشاريعنا المستقبلية :لنتذكر ما نريد ان نكون عليه،حتى في فترة الوباء،اذ من الضروري وضع التمثلات الخاطئة جانبا ،و تكوين نظرك عامة عما نريده،مع تجنب الغضب و تحديد العوامل المسببة للقلق و الضغط و عزلها بشكل تدريجي ،و هذا من شانه المساهمة في الحفاظ على تقدير الذات و الثقة بالنفس .
-لنركز على الأشياء التي يمكننا التحكم بها:هناك أمور خارجة عن ارادتنا و لا نستطيع التنبؤ بها ،ولعل مجيء هذا الوباء الغريب خير دليل على ذلك،لكن في المقابل ،بإمكاننا التحكم و السيطرة على تداعياته الصحية و النفسية بشكل خاص عن طريق وسائل الوقاية المتاحة و الاهتمام بالاشخاص الذين نحبهم ،بالتعبير عن مشاعرنا اتجاههم ،و خلق عدة وسائل للحصول على التناغم بين الروح و الجسد و الفكر،و من اجل هذا يمكن الاعتماد على عدة استراتيجيات من بينها استراتيجية حل المشاكل و الالتزام و التقبل ..ان زمن الأوبئة و زمن الأزمات قد يكون زمنا للعطاء ،للابداع ،الثقافي والأدبي و العلمي …لنجعل زمن الأوبئة يخرج اجمل ما فينا وليس أسوأ ما فينا …
*باحثة جامعية في علم النفس