في السنوات الثلاث الماضية شهد المغرب تحولاً تاريخياً في طريقة تعاطيه مع زراعة القنب. بعد عقود من الحظر، أقرّت المملكة سنة 2021 قانوناً يسمح بزراعة القنب لأغراض طبية وصناعية، في محاولة لدمج اقتصاد الريف الشمالي في الدورة الاقتصادية الرسمية وفتح أسواق للتصدير. لكن ومع بداية 2025 يبدو أن التجربة تسير في خطين متوازيين: نمو ملحوظ للإنتاج القانوني من جهة، وازدهار مستمر للسوق السوداء من جهة أخرى. وفقاً لبيانات وكالة التنظيم الوطني لأنشطة القنب وتقارير إعلامية دولية، قفز عدد المزارعين الحاصلين على تراخيص من 430 في 2023 إلى نحو 5000 مزارع في 2025، كما ارتفع الإنتاج القانوني من بضع مئات الأطنان إلى 4200 طن سنة 2024. المساحات القانونية المزروعة بلغت حوالي 5800 هكتار، لكنها تبقى ضئيلة أمام 27100 هكتار تقريباً ما تزال تُزرع خارج الإطار القانوني.
رغم التوسع في الترخيص، تظل السوق السوداء أكثر جاذبية للمزارعين، إذ يشتري السوق القانوني الكيلوغرام الواحد من أوراق القنب بحوالي 50 درهماً، بينما تدفع السوق السوداء حتى 2500 درهم للكيلوغرام من الراتنج عالي الجودة. هذا التفاوت الكبير يفسر إصرار الكثيرين على البقاء خارج الإطار القانوني أو ممارسة الازدواجية عبر توزيع جزء من المحصول في القنوات الرسمية وتهريب الجزء الآخر. المزارعون الذين انخرطوا في النظام القانوني يشتكون من عراقيل متعددة، أبرزها إجراءات معقدة للانضمام إلى التعاونيات، تأخر المدفوعات، واشتراط استعمال بذور معتمدة محلياً بأسعار مرتفعة مع ضعف الدعم التقني. أحد المزارعين في إقليم الحسيمة قال: “نحن نريد العمل مع الدولة، لكن كيف أعيش إذا انتظرت أشهر لأحصل على ثمن محصولي؟ السوق السوداء تدفع في الحال”.
رغم الطموح في جعل المغرب فاعلاً رئيسياً في السوق الأوروبية للقنب الطبي والصناعي، ما زالت الصادرات محدودة، حيث كانت أولى الشحنات إلى سويسرا بكميات لا تتجاوز مئات الكيلوغرامات وبأسعار بين 1400 و1800 يورو للكيلوغرام. الهدف المعلن هو الوصول إلى 10–15٪ من السوق الأوروبية بحلول نهاية العقد، لكن المنافسة الدولية تجعل المهمة صعبة. القانون جاء بوعد تحسين دخل عشرات آلاف العائلات في الريف، حيث يعتمد نحو 60 ألف أسرة على زراعة القنب كمصدر أساسي للعيش، لكن الفائدة الفعلية ما زالت محصورة في عدد محدود من التعاونيات الناجحة، بينما يواصل كثيرون العمل في الظل.
القنب الطبي في المغرب يجسد صراعاً معقداً بين طموح التنمية وإكراهات الواقع. هناك إرادة سياسية وقانونية لتحويل محصول مثير للجدل إلى رافعة اقتصادية وصحية، وفي المقابل هناك اقتصاد موازٍ متجذر بعائدات مغرية وسلاسل توزيع مترسخة منذ عقود. ولنجاح التجربة، يرى خبراء أن المطلوب هو تقليص الفجوة السعرية بين السوقين، تبسيط المساطر الإدارية وضمان الدفع السريع للمزارعين، توسيع الأسواق التصديرية وتحسين جودة المنتج وفق المعايير الدولية، وإشراك المجتمعات المحلية في صياغة السياسات بدل فرضها من الأعلى. وإلا، سيبقى المشروع طموحاً على الورق لكنه عاجز عن اقتلاع الجذور العميقة للسوق السوداء.