تزامناً مع احتفالات عيد العرش المجيد، جاء الخطاب الملكي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، ليضع خريطة طريق واضحة للمغرب في مرحلة مفصلية، تجمع بين استكمال مسار الصعود الاقتصادي وتكريس العدالة المجالية والاجتماعية، وبين التحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة في أفق 2026. هذه التوجهات، إذا ما قُرئت في ضوء التحولات الجارية في المشهد السياسي الوطني، تكشف عن لحظة سياسية حاسمة قد تعيد ترتيب خريطة الفاعلين وتجديد النخب القادرة على مواكبة المرحلة المقبلة.
فمن جهة، يشير الواقع السياسي الراهن إلى تراجع بريق العديد من النخب الحزبية التقليدية، وتزايد العزوف الشعبي عن العمل السياسي، ما يفتح الباب أمام التفكير في مسارات بديلة للوساطة، سواء عبر قنوات حزبية مجددة أو من خلال مبادرات مدنية وشبابية، تحظى أحياناً بتشجيع غير معلن، بحثاً عن صيغ أكثر مرونة وفاعلية. ومن جهة أخرى، يؤكد الخطاب الملكي على ضرورة الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية إلى مقاربة مجالية مندمجة، تستند إلى برامج تنموية جهوية واضحة، وتوحيد جهود الفاعلين حول أولويات محددة، في مقدمتها دعم التشغيل، وتحسين الخدمات الأساسية، والتدبير المستدام للموارد.
وفي سياق الاستعداد للانتخابات التشريعية المقبلة، دعا جلالة الملك إلى اعتماد المنظومة القانونية المؤطرة لهذه الاستحقاقات قبل نهاية السنة الجارية، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين. هذه الإشارة الملكية تعكس وعياً بأهمية الإطار المؤسسي في ضمان انتخابات نزيهة وشفافة، لكنها في الوقت ذاته تضع تحدياً أمام الأحزاب: هل هي مؤهلة لتجديد خطابها واستقطاب قواعد اجتماعية واسعة، أم أن الطريق بات ممهداً لفاعلين جدد، قادرين على ملء الفراغ وبناء الثقة؟
إن التفكير في مرحلة ما بعد 2026 لا يقتصر على التكهنات، بل يدخل في إطار رؤية استراتيجية شاملة، تتقاطع فيها متطلبات التنمية الاقتصادية والعدالة المجالية مع الحاجة إلى تجديد النخب وتعزيز قنوات الوساطة السياسية. وفي ظل تأكيد الملك على أن “لا مكان اليوم ولا غداً لمغرب يسير بسرعتين”، يصبح رهان المرحلة هو ضمان انسجام بين دينامية البناء التنموي من جهة، وتجديد الدماء في الجسم السياسي من جهة أخرى، بما يضمن استمرار الاستقرار ويعزز ثقة المواطن في مؤسساته.