منذ ما يربو عن عقدين من الزمن وأنا أشتغل على تصويب النظر في فكر الحركة الإسلامية بمفهومها العام وتحليل طريقة اشتغالها. من حيث إنها مجموعة “منضبطة” في المجتمع. “ملتزمة” بقوانين البلد الذي تشتغل فيه، وتدّعي الفضيلة والسهر على إشاعته في الأفراد والمجتمع والمؤسسات. وكَتبتُ في ذلك عشرات المقالات، ونشرت كتابا أجمعت الصحافة الوطنية على وصفه حينها بكتاب “يشبه القنبلة”.
إلا أن المقام لم يبلغ نهايته بعد؛ لأعود للموضوع مرة أخرى من أجل إعادة النظر وأخذ العبر. خصوصا وأن العالم العربي شهد تغيرات جذرية تمكنت فيه كثير من الحركات الإسلامية من الوصول لمراكز القرار. بعدما ناضلت من أجل بلوغه بضعة عقود.
من المؤكد أن تجربة حزب العدالة والتنمية، والذي لا يمكن اعتباره إلا الذراع السياسي لحركة التوحيد والإصلاح. لن تقدم لنا الشيء الكثير في الحكم على الحركات الإسلامية في العالم العربي. حيث إنها تجربة محدودة في الزمان والمكان. كما ليس لها نفس الزخم الفكري والثقافي والتاريخي مقارنة، على سبيل المثال، مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر. التي ناضلت لأكثر من ثمانية عقود لبلوغ كرسي الحكم تحت شعار “وأعدوا”.
سؤال جدوائية وجود الحركة الإسلامية
إنني بصدد محاولة الجواب عن سؤال جدوائية وجود الحركة الإسلامية؛ وليس بصدد نقد أفكارها المتطرفة، وتوجهاتها الشاذة، وشعورها بامتلاك الحقيقة المطلقة، أو بصدد فضح حيلها وتناقضاتها وسلوكياتها المشينة، فهذا ما أفنيتُ زهرة شبابي لتحقيقه أو تحقيق شيء منه؛ بمعنى آخر: “هل الفشل والحركة الإسلامية لهما نفس القدَر ونفس المصير، وأنهما توأمان متلازمان لا يفترقان ولا ينفصلان كيفما كان التصويب وأيًّا كانت المراجعات؟ أم أن الفشل طارئ عليها نتيجة أخطاء في التقدير أو التفكير أو السلوك، ومتى أُصلح الخطأ وترمَّم الزيغ وعولج الضلال فإنها قد تصل أهدافها وتحقق مراميها؟
إن كَمّ وحجم المراجعات التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين في مصر على مر تاريخها الطويل؛ والتي كانت تنتقل أحيانا من النقيض إلى النقيض؛ حتى أنه بعد عدد زوجي من المراجعات يعود منهجها الفكري للمربع الأول في مشهد كاريكاتوري ساخر يدعو للاشمئزاز والامتعاض؛ لم تكن كافية لتتلمس طريق الصواب؛ بل بالعكس تماما، فكلما صوبت الفكر وعدَّلت النظر في الطريق الذي تسلكه فقدت أثر الهدف، ولا أدل على ذلك من كونها ظلت تنشد كرسي الحكم طيلة 84 سنة وتعمل لبلوغه تحت راية “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، وحينما تسنى لها ذلك، على إثر الربيع العربي المشؤوم، فقدت الحكم في عام يتيم لا ثاني له.
إن هذا إذا دل على شيء؛ فإنما يدل على أن مراجعات الحركة الإسلامية، على اختلاف مشاربها وتنوع مصادرها، إنما هي حيلة أصيلة من الحيل البالية التي شتتت جسد الأمة الذي ظل متماسكا وصلبا حتى طرأ عليه هذا الكائن الغريب الذي يطلق عليه زورا وبهنانا “الحركة الإسلامية”.